قوة اليقين في احتمال البلاء

 

ثقة المؤمن بربه تنتج عن قوة في اليقين به وعلما بأن وعده حق وان من استمسك بحبله فقد استمسك بحبل غير منقطع وهذه الثقة تجعله يحس بالطمأنينة لما يدور حوله من أحداث يري أنها مظلمة ومليئة بالظلال التي تعتم دوائر الضوء في النفس فتورثها كآبة تنغص عليها حياتها. ولكن بقوة اليقين تتماسك أركان النفس من الانهيار وتتجمع بعد تفرق وشتات وتحيي مواتها فسرعان ما تعود لأفضل من سابق أمرها مكتسبة من تجربتها رشدا يهديها في طريق الوصول بل ويعينها للوصول إلي غاية المطلوب.

المؤمن لا يكون ضعيفا ولا منهزما نفسيا بل انه فوق كل الخطوب لعلمه بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. فعلي قدر دين المرء يبتلي وكلما اشتد بلاؤه كلما محيت سيئاته حتى يمشي علي الأرض وما عليه من خطيئة. فله في رسوله صلي الله عليه وسلم قدوة وأسوة فقد كثر عليه البلاء واشتدت عليه الخطوب حتى لقب أحد أعوانه لكثرة بلائه بعام الحزن ومع ذلك لم يجزع بل فوض الأمر لمالك الأمر لعلمه بأن في هذا تثقيل لدينه واختبار لجوهره فما من محنة إلا وأعقبتها منحة وسواد الليل يسبق ضوء النهار.
يحمد العارفون ربهم عند البلاء لأنه لم يكن في دينهم وانه لم يكن اكثر من ذلك. فهم قد فطنوا كبد الحقيقة وجعلوها دعاءهم الدائم وتسبيحهم المحبب لربهم بأن لا يجعل مصيبتهم في دينهم وكلما جن ليلهم دعوا ربهم بأن كل بلاء دونه عافية. وكل غني دونه فقر وكل قرب دونه وحشة وبعد. فلو علم أهل البلاء ما أعده الله لهم يوم القيامة لتمنوا أن يكون أكثر من ذلك.

لكن هذا لا يمنع المؤمن سؤال ربه العافية ليل نهار وان يرزقه مع العافية شكرا عليها. حتى لا يعتريه ضعف في نفسه ووهن في عزمه.

أهل اليقين لغيرهم سابقون. والسالكون لطريقهم واصلون فمقومات الوصول معلومة والسوق قائمة والسلعة موجودة والثمن مقدور عليه ومعالم الطريق واضحة فهم عباد ربانيون