دعاء نصف شعبان.. وحقيقة المحو والإثبات

 الليلة المباركة .. ليلة القدر بصريح القرآن

 

في كل عام ومع اقتراب ليلة النصف من شعبان تكثر أحاديث العامة والخاصة عن دعاء هذه الليلة المباركة وهي بالتأكيد ليلة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. لكن تلتقي في هذه الليلة جماعات كبيرة في المساجد مع صلاة المغرب لترديد دعاء بعد الصلاة مع أداء ركعتين مرات ثلاث يتخللها الدعاء ومثار الخلاف هو ما جاء في هذا الدعاء عن المحو والإثبات في أم الكتاب كيف حدث الإثبات في أم الكتاب وكيف يحدث المحو والإثبات من جديد وماهي أم الكتاب والحديث يمتد إلى الدعاء نفسه. ولكن مع كثرة الخلافات نري في ضمها. بعضها إلى بعض محاولة للتوفيق.

يؤكد الدكتور جلال سعد البشار وكيل كلية الدعوة الإسلامية أن الدعاء الذي يردده الناس في ليلة النصف من شعبان لم يرد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن المحو والإثبات غير صحيح. ولأن كلمة "أم" أي بمعني الأصل ولكن المقصود هو أدراك لطف الله تعالي ما قضي به في أم الكتاب أي بمعني تخفيفه عند وقوعه. لذلك اثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قوله: اللهم أني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه".

أي أن قضاء الله تعالي واقع لا محالة وإنما يسأله العبد اللطف فيه عند وقوعه.

ويضيف د. جلال أن الدعاء فيه استدلال في غير موضعه في استشهاد الداعين بقولهم "فإنك قلت وقولك الحق يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" فقد أجمع المفسرون علي أن المحو والإثبات في الآية يكون في الشرائع إذ أن لكل نبي شريعة تختلف عن شريعة سابقه تبعا لتطور الزمن وهذا ما يعرف بالنسخ فالشريعة المتأخرة قد تنسخ بها بعض أحكام الشريعة المتقدمة.

أما المحو والإثبات في العقائد والأقدار فليس مقصودا في الآية. وعلي هذا اجمع المفسرون فلأمانع من الدعاء بأي صيغة أخري من أدعية القرآن الكريم والمأثور من السنة.

دعاء بعض الصالحين

ويقول الدكتور عزت عطية الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أنه لم يرد دعاء خاص لليلة النصف من شعبان لكن بعض الصالحين اعد دعاء استخلصه من تفسير قول الله تعالي "فيها يفرق كل أمر حكيم". عند من قال أنها ليلة النصف من شعبان مع أن صريح القرآن الكريم يدل علي أنها ليلة القدر التي نزل فيها القرآن واخذ هذا الدعاء مما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه.

قال: "ما دعا قط عبد بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته يا ذا المن فلا يمن عليك يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والأنعام لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين اللهم ان كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا فأمحو عني أثم الشقاء أتثبتني عندك سعيدا موفقا للخير فإنك تقول في كتابك "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب".
ويشير د. عزت إلى أن في سند هذا الحديث عبد الرحمن بن اسحق الو اسطي ضعيف جداً لكن ابن أبي شيبه روي له هذا الحديث لأنه في الدعاء ومما ظهر عنده أنه يمكن ان يقبل وأن الدعاء به خير من الدعاء بغير ما ورد. وابن مسعود رضي الله عنه لم يخصص الدعاء للنصف من شعبان واعترض بعضهم علي هذا الدعاء بأن ما في أم الكتاب لا يقبل التغيير لكن البعض الآخر يري أن أم الكتاب فيها القضاء المعلق والقضاء المبرم وأن الكل مكتوب فيه ففيه ما يغير. وفيه ما يثبت بعد التغيير.

وهذا اقرب في المناسبة مع تثنية أم الكتاب أي الجامع لكل ما في الكتب الأخرى والمقصود به أن الدعاء به في ليلة النصف من شعبان لاشيء فيه لمن أراد بشرط إلا يعتبر ذلك من السنن الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر من أعمال الخير اللازمة للمسلمين في هذا الوقت. بل هو عمل خير لمن صلي في المسجد.
وفي الدعاء اعتماد علي أحاديث أخرى في تجلي الله عز وجل في ليلة النصف من شعبان لمغفرة ذنوب من تاب وان ما جري العمل به بين المسلمين إنما هو من البدع الحسنة ولا يمكن أن يكون ضلالة إلا عند من تعند وتشدد.

الوقت الأنسب

ويضيف الدكتور منصور نصر قموح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن خير الدعاء في هذه الليلة ما علمنا الله تعالي إياه في القرآن الكريم وما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يؤثر عن رسول الله أن دعا بدعاء خاص في ليلة النصف من شعبان.
والأولي أن نتأدب بأدب القرآن الكريم والتزام ما جاء فيه من أدعية. ومن أدب الدعاء الإخلاص والإقبال علي الله تعالي ولاسيما في مواسم الخير.

ويشير د. منصور إلى آن الدعاء الذي يدعو الناس به يفهم منه أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة مع أن الليلة المباركة هي ليلة القدر وذلك بنص القرآن الكريم.
قال تعالي: "حم والكتاب المبين أنا أنزلناه في ليلة مباركة أنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم".

وقال تعالي: "أنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر".
فالليلة المباركة هي التي نزل فيها القرآن الكريم ووصفتها الآية الثانية بأنها ليلة القدر.

فليكن الاحتفال بهذه الليلة بالمنهج الذي وضعه الرسول صلي الله عليه وسلم من عبادة وصلاة ودعاء غير مقيد بصيغة معينة وقيام فهذه العبادات أن حسنت في كل وقت فهي في هذه المناسبة أحسن.