وكلوا واشربوا ولا تسرفوا

بقلم : د.حسني حمدان

إن أية زيادة فيما نتناوله من كميات من طعام أو شراب تعطينا سرورا عارضا.. ولكن علينا في النهاية أن ندفع نتائج ذلك مرضا بل موتا في بعض الأحيان والطعام نعمة من الله. ويأمر الله الناس أن يأكلوا من الطيبات.

وقد ورد فعل الأمر بالأكل "كلوا" 27 مرة. والآمر دائما هنا هو الله. والأكل والشرب من رزق الله والله يأمر بالأكل من الطيبات الحلال. وفعل الأمر "كلوا" يأتي معه أمر آخر متعلق بفعل خير أو نهي عن شر. ففي الحالة الأولي تجد الأكل مقترنا بذكر الله وإبداء حق الله في الورع وتقوي الله وإطعام البائس الفقير والقانع والمعتر والعمل الصالح وشكر الله.

أما في فعل الأمر "كلوا" فقد تقترن معه عدم الفساد في الأرض. وعدم اتباع خطوات الشيطان وعدم الإسراف في المأكل والمشرب وعدم الطغيان. ومن ثم يجب أن يتدبر المسلم حينما يأكل ويشرب الأمر الذي يقترن بالأكل إن كان خيرا فعله. وإن كان غير ذلك تركه.

والإسلام يدعو إلي عدم الإسراف في الطعام والشراب. حيث يقول الله تعالي:

"يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين".

 "الأعراف:31".

قال علي بن الحسين: جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا. في قوله تعالي:

 "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا".

وعنه أيضا أنه قال: جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة قال:

 "المعدة بيت الأدواء والحمية رأس كل دواء واعط كل جسد ما عودته".

إن طريقة أكل المؤمن تختلف كثيرا عن طريقة أكل الكافر. وقد رأيت بعيني رأسي كفارا يأكلون بطريقة أشبه بنهم الكلب للطعام. وحينما قارنتها بطريقة أكل المؤمنين عدت بالذاكرة إلي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم:

"الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد"

 والمؤمن أمره كله خير: إن أكل افتتح أكله باسم الله. وختمه بقوله "الحمد لله" وقد رأيت غير المؤمنين حينما شبعوا واستحسنوا الطعام ضربوا بكفي اليدين علي بطونهم وهمهموا بدعاء البهائم. فقلت الأول -وهو المؤمن- عرف ربه فحمده علي طعامه. والثاني كفر بربه فصار يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام.

وقال العلماء في قلة الأكل منافع كثيرة. منها أن يكون الرجل أصح جسما. وأجود حفظا وأذكي فهما وأخف نفسا وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء.

ومن السرف أن تأكل ما اشتهيت. ومن الإسراف الأكل بعد الشبع قال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعًا فوق شبع. فإنك إن تنبذه للكلب خير من أن تأكله. وقد روي أسد بن موسى من حيث عون بن أبي جديفة عن أبيه قال: أكلت ثريدا بلحم سمين. فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم- وأنا أتجشأ. فقال: "أكفف عليك من جشائك أبا جحيفة فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة" ويقول صلي الله عليه وسلم: "أصل كل داء البردة" والبردة: التخمة.

حديث الثلاثة أثلاث

روي الترمذي في صحيحه عن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: ما ملأ آدمي وعاءا شرا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" قال أبو عيسي هذا حديث حسن صحيح.

وفي رواية أخري: "حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس".


 

والحديث يشير إلي:

1- المعدة وعاء: فلينظر المؤمن كيف يجب أن يري وعاءه. أيحبه خفيفا دقيقا. أم يسعده أن يراه كبيرا متضخما ذا حظ عريض يثقل كاهنه.. ما في ذلك شك أن الوضع الأول أولي والأهم من ذلك أن يكون ملء ذلك الوعاء حلالاً فينبت الجسم من الحلال فتصيبه بركة من الله.
2- الحد المطلوب لإقامة الصلب وحفظ الحياة أكلات أو لقيمات فلا حاجة إذن للإسراف. والوجبات السريعة كثيرة الدم من "هامبورجر" وخلافه والأطعمة المحورة وراثية قد لا تقيم صلبا بل دائما تنقص صلبا لكثرة ما فيها من ضرر.

3- المعدة ثلاثة أقسام ثلث للطعام. وثلث للشراب والثلث الآخر للنفس "للهواء" فلا ينبغي أن يبغي ثلث علي ثلث. وفي المجمل لا ينبغي تجاوز ثلثي الطعام والشراب معا علي ثلث النفس. ونأخذ من الترتيب في الحديث أن الطعام أولا ثم الشراب ثم يترك مكانا للنفس وذلك عنذ تناول الطعام وإن كان النفس لا غني عنه في جميع الأوقات.

قال ابن القيم.. ومراتب الغذاء ثلاثة "أحدها": مرتبة الحاجة. "والثانية" مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. وقال عمر رضي الله عنه: إياكم والبطنة. فإنها مفسدة للجسم. مورثة للسقم. مكسلة عن الصلاة. وعليكم والقصد فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف. وإن الله تعالي ليبغض الحبر السمين" رواه أبونعيم.

العلم وثلاثة الأثلاث

هل المراد بالثلث في الحديث السابق التساوي علي ظاهر الخير. أو التقسيم إلي ثلاثة أقسام متقاربة؟ محل احتمال والثاني أولي.. والمقصود التوازن بين الطعام والشراب والنفس. والحد الأقصى لحجم المعدة بصفة عامة هو 1500سم3 مكعب وبذلك يصبح حجم كل ثلث في المتوسط 500سم3 ويذكر الدكتور عبدالجواد الصاوي أن كمية الهواء التي تدخل الرئتين مع كل تنفس يقدر بحوالي 500سم3. تدخل وتخرج بانتظام كمد البحر. ولذا تسمي الحجم المدي "Tidal volum" والتي تم قياسها بجهاز مقياس النفس "spironieter" وبكلمات أخري ثلث النفس يساوي فعلا ثلث حجم المعدة. ولو طغي ثلث الطعام والشراب علي ثلث النفس يكون التنفس صعبا وذلك لضغط المعدة علي الحجاب الحاجز الذي يفصل بين تجويف الصدر وتجويف البطن. وقد أورد د.الصاوي أوجه الإعجاز في الحديث في الآتي:

1- الإفراط في الطعام والشراب شر وخطر علي صحة البدن.

2- يتساوى البشر في الحاجة إلي قدر مشترك من السعرات الحرارية اللازمة لتشغيل الأجهزة الأساسية في الجسم وهو حد إقامة الصلب في الحديث النبوي.

3- ملء ثلثي حجم المعدة بالطعام والشراب هو الحد الأقصى.

4- امتلاء المعدة بالطعام يؤثر علي أجهزة الجسم.

5- ثلث المعدة يطابق تماما حجم هواء التنفس.

لو طبق المسلمون هذا الحديث فقط في طعامهم وشرابهم لصحت أبدانهم وتجنبوا أمراضا كثيرة.

 بحيث لن نري بطنا منتفخة. ولا بطنا مرتخية. ولن يكون هدف الناس أن يحيوا ليأكلوا بل يأكلون ليحيوا.

وصدق القول: "نحن قوم لا نجوع وإذا أكلنا لا نشبع".